يوم 21 أغسطس/آب 1969، اقتحم متطرف أسترالي الجنسية يدعى دينيس مايكل روهان المسجد الأقصى من باب الغوانمة، وأشعل النار في المصلى القبلي بالمسجد الأقصى. وجاء ذلك في إطار سلسلة من الإجراءات التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1948 بهدف طمس الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس.
الحريق
شبّ الحريق في الجناح الشرقي للمصلى الواقع في الجهة الجنوبية من المسجد الأقصى، وأتت النيران على واجهات المسجد الأقصى وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، مما تطلب سنوات لترميمه وإعادة زخارفه كما كانت.
والتهمت النيران أيضا منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من مدينة حلب، وذلك عندما استعاد المسلمون بيت المقدس عام 1187م، وقد كانت لهذا المنبر الجميل مكانة خاصة، حيث إن السلطان نور الدين زنكي هو الذي أمر بإعداده ليوم تحرير الأقصى.
وتبين أن المادة الحارقة الشديدة الاشتعال سكبت من داخل المصلى القبلي ومن خارجه.
وبينما قام الاحتلال بقطع الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطأ في إرسال سيارات الإطفاء، هرع الفلسطينيون إلى إخماد النيران، بملابسهم وبالمياه الموجودة في آبار المسجد الأقصى.
وكشف المقدسي الثمانيني عثمان الحلبي للجزيرة نت (إحراق الأقصى.. مقدسيون يستذكرون المشهد) أن إخماد الحريق بالطرق البدائية ساهم في انتشاره في أجزاء واسعة من المصلى.
مزاعم الاحتلال
زعمت إسرائيل أن الحريق كان بفعل تماس كهربائي، وبعد أن أثبت المهندسون العرب أنه تم بفعل فاعل، ذكرت أن شابا أستراليا اسمه دينيس مايكل روهان هو المسؤول عن الحريق وأنها ستقدمه للمحاكمة، ولم يمض وقت طويل حتى ادعت أن هذا الشاب معتوه ثم أطلقت سراحه.
الردود
أثار الحريق استنكارا دوليا، واجتمع مجلس الأمن الدولي وأصدر قراره رقم 271 لسنة 1969 -بأغلبية 11 صوتا وامتناع أربع دول عن التصويت من بينها الولايات المتحدة الأميركية- الذي أدان فيه إسرائيل ودعاها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس.
وجاء في القرار أن "مجلس الأمن يعبر عن حزنه للضرر البالغ الذي ألحقه الحريق بالمسجد الأقصى يوم 21 أغسطس/آب 1969 تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، ويدرك الخسارة التي لحقت بالثقافة الإنسانية نتيجة لهذا الضرر".
وعلى صعيد الدول العربية والإسلامية، كانت هناك حالة غضب عارمة، واجتمع قادة هذه الدول في الرباط يوم 25 سبتمبر/أيلول 1969 وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي ضمت في حينها ثلاثين دولة عربية وإسلامية، وأنشأت صندوق القدس عام 1976.
ثم في العام التالي أنشأت لجنة القدس برئاسة الملك المغربي الراحل الملك الحسن الثاني للمحافظة على مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية ضد عمليات التهويد التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلية.
في المقابل علقت رئيسة وزراء الاحتلال في حينه غولدا مائير على الموقف العربي قائلة: "عندما حُرق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستُسحق، لكن عندما حلَّ الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق".
الترميم بتشكيل لجنة إعمار الأقصى، حيث وضع حاجز من الطوب يفصل ربع المصلى القبلي المحروق عن باقي الأروقة التي لم تتأذَّ.
ووضع بدل منبر نور الدين زنكي منبر حديدي، واستمرت أعمال الترميم حتى عام 1986، فأزيل الطوب واستؤنفت الصلاة في الجزء الجنوبي من المسجد، وبقي المنبر الحديدي حتى عام 2006، ريثما يُصنع منبر على شاكلة الذي حرق.
وقد أعد الأردن منبرا بديلا يماثل منبر نور الدين زنكي ووُضع في الأقصى عام 2006.